الفصل 54 - دموع ياسمين
فقد يون تشي الوعي ولكن جسد ياسمين لم يعد شبحيا كما كان واستعادت هيئتها ثباتها...
وعندما أفاقت ياسمين وفتحت عينيها بصعوبة . وقع بصرها علي خيط الدماء الذي ينسال من ركن فم تشي،وعلي تلك الجروح المروعة التي غطت ذراعه اليسرى . ذابت كل البرودة والقسوة من عينيها كذوبان الثلج ، وحلت محلها شعور غامض وغريب .
صرخ بفرحة : "ياسمين! استعدت وعيك ؟" لكن صوته خرج ضعيفا ومبحوحا، وعندما حاول الوقوف، شعر بجسده ثقيلا كأنه يزن ألاف الكيلو جرامات. لم يكن غريبا أن يكافح للوقوف بعد كل الدماء التي فقدها .
بصوت ضعيف سألته وهي تحدق بالجروح علي زراعه اليسري " لماذا أنقذتني ؟".
ثم أشاحت بوجهها بعيدا : " ألم يكن من الأفضل لو مت ؟ "على الأقل، لن تحتاج للاذعان لشروطي التي أجبرتك علي قبولها ولن تقلق من أن أقتلك بعد أن استعيد جسدي ! "
" لان ياسمين .....كادت أن تفقد حياتها لتنقذني .!"
ردت عليه بحدة " إنما كنت أنقذ نفسي !"
تعجب تشي من شدة انفعالها وانتابته الحيرة وعجز عن الرد. ولكنه أجاب بعد وهلة: " إذا أنقذتك لأنك معلمتي.. وكتلميذك هل تتوقعين أن أقف وأشاهدك تتلاشين من الوجود أمام عيني ؟"
ردت بنبرة حزينة وبائسة :"لأني معلمتك .... كل ما أردته حينها هو أن استعيد جسدي ولأفعلها كان علي الاستعانة بك ومساعدتك علي الحصول علي اكبر قدر من القوة ... لذا فاخذي لك كتلميذ لم يكن من أجلك بل من اجل مصلحتي . " ... هل حسبت حقا أني اهتم لك ؟!
" اعلم كل هذا !!!!" لم تلحظ ياسمين علي وجه تشي الخيبة أو الغضب من كونها خدعته ولكنها شاهدته وهو يقترب منها قليلا و ونظر في عينيها وقد تبسم وجهه وبرقة اخبرها :" كل هذا لا يهم ... أنقذتك لان ياسمين جميلة جدا......جميلة كملاك "
أذهلتها إجابته .
وتابع قائلا "ومهما حاولتي إخفاء هذا الجمال تحت قناع من القسوة ومهما أردت ان تبدو مخيفة.. ابدا لن تقدري. ومن هذا الذي سيرغب في ان ترحل عنه فتاة بمثل جمالك ... ؟... وأنا أيضا ...لا ارغب في ان ترحل عني ياسمين الجميلة .. هذا هو السبب "
"اي... سبب... هذا ؟" قالتها وجسدها يرتجف تأثرا وارتعشت شفتيها التي استعادت بعض حمرتها وهي تتابع بنبرة حزينة " أنا ياسمين.. السنة الماضية عندما بلغت ال12 من عمري.... أزهقت في يوم واحد مليون و300 ألف ... لقد قتلت أناس كثيرون. غطت الدماء كل جسدي حتى أطلقوا علي لقب ( الياسمينة.. الغارقة في الدماء)
قفز قلب تشي من المفاجأة ........في يوم واحد قتلت أكثر من مليون وثلاثمائة ألف شخص !؟
عندما رأت الصدمة علي وجه تشي ، أغلقت عينيها وأكملت بأسي : " كيف سيتصف شخص مثلي بالجمال...." أنا ياسمين .... لا بل أنا " ياسمين الغارقة في الدماء ... أنا الشيطانة البغيضة التي قتلت أعدادا لا تحصي من الناس "
حدق تشي بها لبرهة .... ولكن عينيه لم تحمل خوفا او امتعاض بل حملت شعورا غامض لن يدرك احد معناه . نظر إليها برهة طويلة .... ثم هز رأسه بالنفي " لم أمر بما مررت به في الثانية عشر من عمرك ولكني أدرك أنها كانت ذكري فظيعة ... أن تزهقي كل هذه الأرواح ... هذا الألم الفظيع لا يوصف الذي عانيتيه وكأن روحك تتمزق .... هذا الألم الذي لا يريد من جربه ان يمر به مرة أخري..ذلك الشعور بالذنب والكوابيس التي ترافقه ... هذا الشعور الذي يقتل الروح و يدفعك لكره ذاتك ... "
اتسعت عيون ياسمين في ذهول وحدقت في وجهه وهي لا تصدق ما تسمعه .
وتابع قائلا "لكني، أنا تشي متأكد تماما ان ياسمين كانت دوما فتاة طيبة القلب.وان السبب الذي دفعها للتحول إلي أكثر شئ تكره... ولتصير شريرة في عيون الناس هوحماية اشخاص تحبهم ... صديق مقرب او ربما فرد من اسرتها... ومن اجل هذا السبب - من اجل حمايتهم- فعلت ما فعلت لذا فمهما غطتك الدماء لن تصيري ابدا شخصا سيئا ."
"وايضا مهما ارتكبت الفتاة الجميلة من اخطاء فسيغفر لها . وان كان حمل ياسمين من الألم والذنوب عظيم ...إذا فدعي تلميذك تشي يشاركك حملك ... وهذا واجب التلميذ ناحية أستاذه ان يشاركه حمله ..."
تنويه: انا لا احب الرومانسية ولكن هذا المشهد سيؤثر جدا في الأحداث القادمة وستتغير علاقتهم بعده.
وحدقت به وقد اذهلتها كلماته....
حدقت به وكانها تمثال. غامت عينيها بالدموع ....فهي لم تفهم لماذا لم يظهر خوف او نفور بعد كل الخطايا التي اعترفت بارتكابها. …. وبدلا عن ذلك قابلتها نظراته الحنونة و وكلماته الرقيقة...
لا ينبغي لهذا يحدث ...فانا قتلت الكثير ...أنا شيطانة مرعبة . الجميع يخاف مني ... ولا احد يحبني... لماذا أنقذني ... لماذا نظراته الرقيقة .... لم يعاملني احد كما يعاملني منذ مات أخي وماتت أمي....
سرحت عيونها الدامعة ورأت في وجه تشي ابتسامة اخيها الراحل . لتسيل قطرات دمعها .... هي ... تلك التي أقسمت أن لا يسيل دمعها أبدا ... يسيل دمعها كنهر جاري . ليظهر جانبها الذي اخفته واغلقت عليه الكراهية والخطيئة.
مد يده يربت علي وجهها وليمسح دمعها السائل " ياسمين ..... إذا بإمكانك البكاء ؟....حسنا هكذا ينبغي أن تتصرف الفتيات الصغيرات ، أليس كذلك ؟ "
لم تقاومه بل علا بكاؤها . ومن وسط نحيبها وبكائها خرج صوتها متقطع " انا .... معلمتك ... وانت .. وانت تحاول انقاذي قبلتني خفية ... عدة مرات ... والان تجعلني ابكي امامك .... لا ينبغي ان ....تعامل معلمك هكذا.... واااء "
رد تشي مبتسما " اجل ، معلمتي علي حق ... لذا بعد ان تستعيد صحتها ....ستعاقبني كما تريد... حتي لو اردت تقبيلي.. لن امتعض علي الاطلاق ."
صدق حدسه .... وهذه هي طبيعة ياسمين الحقيقية وليس ما حاولت ان تظهر به. فهو وقد مر من قبل بذات التجارب التي مرت بها و شعر بنفس شعورها ..كان قادرا علي رؤية ضعفها ولمس ارق جزء من قلبها.
بعد ان بكت ياسمين لبرهة اخري هدأت . ومع ضعف قوتها و طيفها الضعيف الا ان الخطر الداهم زال وصار السم تحت السيطرة . مسحت بيديها الصغيرتين دمعها .. ثم اشاحت بنظرها عن تشي وهي تحاول ان ترتدي قناع القسوة والجمود. ... ثم بنبرة حازمة : " بالرغم من زوال الخطر ... الا اني لن اقدر علي استخدام اقل قدر من الطاقة لمدة 3 شهور.. والا حتي لو اعطيتني دمائك كلها لن انجو."
"فهمت ، لاحقا ساحاول بذل كل مابوسعي لاكون حذرا ولن اسمح بتكرار ما حدث." قالها تشي وقد اعتراه الشعور بالذنب.
" تلك الياقوتة الحمراء التي غنمتها ... ابتلعها... فلربما كانت بذرة ملك الشر التي حدثتك عنها من قبل ..... "
"هاه ؟" بدهشة التقط تشي الياقوتة ... تلك التي كاد يتسبب في هلاك ياسمين للحصول عليها . " اتقولين ان.... هذه ....هذه ؟!"
ردت بنبرة شابها الشك :" انا فقط اخمن ...والا لماذا بقي التنين هنا طوال هذه المدة .. عندما امسكتها شعرت بعنصر نار عجيب ... حتي انا لم ار مثله من قبل ....وقد اخبرتني انك شعرت بشئ يناديك وايضا لم تحرقك الياقوتة عندما امسكتها. لذا فرربما كانت واحدة من البذور الخمسة التي ذكرت في السجلات و ايضا تذكر هذا .... لا يحق لمس وجهي ابدا بدون اذن مني ."
ليشعر تشي بقشعريرة تسري في ظهره
ثم تحولت الي شعاع احمر اختفي داخل اللؤلؤة...تاركه تشي خلفها ...وقد اخرسته تصرفاتها
وجه جامد قاس .... ثم نوبة من النحيب واخيرا وجه صارم مصحوب بكلمات التهديد... لا يمكن الاستهتار بمزاجية هذه الفتاة .
لم يكن بحال افضل منها فجسده المنهك بسبب الدماء التي فقدها الذي صار مجرد السير تحديا صعبا ناهيك عن مواجهة الوحوش فلو قابل احدها وان كان ضعيفا فانهما -هو وياسمين- في خبر كان.
همس الي نفسه سرا " لو ان قتل مليونا و300 هو ذنب لا يغتفر ... وستكوني الياسمينة الغارقة في الدم ... اذا فماذا عني من قتل سبعة ملايين و700 الف من الناس بالسم ....من سبقني وحول مدينة كاملة الي جحيم من السم.؟" " تسمي نفسك شيطانة...... بل انا الشيطان الحقيقي... ولذلك لم اجرؤ عن تلويث الملاك التي ظلت بجانبي حتي اليوم التي فقدتها فيه للابد".
اغلق عينيه وسكت لبرهة طويلة ثم فتح يده لينظر الي الياقوتة .... المستديرة التي تشع بلون احمر ساطع .... نظر اليها للحظة ثم جمع عزمة والقاها الي فمه .
عندما امسكها ... لم يشعر الا بالراحة.. شعر بشعور طاغي بالالفة....ولاداعي ليقلق من سميتها لو كانت سامة فلدية اللؤلؤة...؟؟
ابتلعها - الياقوتة الحمراء- داخل معدته.
ليشعر بثورة اوردته ... لم يكن لديه فرصة ليلحظ التغيير في اوردته . فقد شع جسمه بضوء احمر ساطع للتحول الاشعة الحمراء الي لهب يحيط بجسده وبدا جسده في وسط عاصفة من النيران الحمراء الثائرة .
" هذا ...هذا ؟"
اشتعال النيران الغير متوقع اذهل تشي ... ولكن ما اذهله اكثر ان النيران لم تؤثر فيه .. ليس علي جسده اثر حرق واحد بل شعر بدفء . بل ان ملابسه بقيت سليمة علي الرغم من لهيب النار ولكن له كانت كانها نار خيالية.
تعليقات
إرسال تعليق